فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في طبق:
الطبق: غِطاءُ كلّ شيء، والذى يؤكل عليه، ويُنقل فيه الطعام ونحوه، والجمع: أطبْاق، وأطبِقه.
وطبّقه، وأطبقه فتطبّق وانطبق.
قال الشاعر:
ما من صديقٍ وإِنْ تمّت صداقته ** يوما بأنجح للحاجات من طبقِ

إِذا تلثّم بالمِنديل منطلقا ** لم يخش صوْلة بوّابٍ ولا غلق

لا تُكْذِبنّ فإِنّ الناس قد خُلِقُوا ** عن رغبةٍ يُكرمون النّاس أو فرقِ

والطّبق أيضا من كل شيء: ما ساواه.
والجمع: أطباق.
وقد طابقه مطابقة وطِباقا.
وهى- أعنى المطابقة- من الأسماء المتضايفة، وهو أن يجعل الشيء فوق شيء آخر بقدْره.
ومنه مطابقة النعل، قال الشاعر:
إِذا لاوذ الظلّ القصير بِخُفّهِ ** وكان طباق الخُفِّ أو قلّ زائدا

ثم يستعمل الطباق في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارة، وفيما يوافق غيره تارة، كسائر الأسماء الموضوعة لمعنيين تم يستعمل في أحدهما دون الآخر، كالكأس، والرواية ونحوها.
قال تعالى: {الّذِي خلق سبْع سماواتٍ طِباقا}، أى طبقة فوق طبقة، أو طبقا فوق طبق.
وقوله: {لترْكبُنّ طبقا عن طبقٍ}، أى تترّقى منزلا عن منزل.
وذلك إِشارة إِلى أحوال الإِنسان من ترقيِّية في أحوال شتّى في الدنيا، نحو ما أشار إِليه بقوله: {خلقكُمْ مِّن تُرابٍ ثُمّ مِن نُّطْفةٍ}، وأحوالٍ شتّى في الآخرة: من النشور، والبعث، والحساب، والصّراط.
إِلى حين المستقرّ في إِحدى الدّارين.
وهذا طِباقه، وطِبْقُه، وطبِيقه، وطبقُهُ، أى مطابِقه.
وطبّق العنق: أصاب المفْصِل فأبانها، ومنه سيف مطبِّق.
ومطر وجراد مُطبِق: عامّ.
ومضى طبق بعد طبق: عالم من النّاس بعد عالم، قال العبّاس رضى الله عنه:
تُنقل من صالِب إِلى رحِمٍ ** إِذا مضى عالم بدا طبقُ*

والدّهر أطباق: حالات.
وفلان على طبقات شتّى، والنّاس طبقات: منازل ودرجات بعضها أرفع من بعض.
وأطبقوا على الأمر: أجمعوا.
وبناتُ طبق: الدّواهى، وأصلها الحيّة لشبهها بالطبق إِذا استدارت، أوْ لأنّها تمسك تحت طبق السّفط، أوْ لإِطباقها على الملسوع.
وجنون مُطْبِق، وحُمّى مُطْبِقة، وسنة مُطْبِقة، من أطبقه: غطّاه.
وأطْبِق شفتيك: اسكت. اهـ.

.تفسير الآيات (5- 11):

قوله تعالى: {ولقدْ زيّنّا السّماء الدُّنْيا بِمصابِيح وجعلْناها رُجُوما لِلشّياطِينِ وأعْتدْنا لهُمْ عذاب السّعِيرِ (5) ولِلّذِين كفرُوا بِربِّهِمْ عذابُ جهنّم وبِئْس الْمصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سمِعُوا لها شهِيقا وهِي تفُورُ (7) تكادُ تميّزُ مِن الْغيْظِ كُلّما أُلْقِي فِيها فوْجٌ سألهُمْ خزنتُها ألمْ يأْتِكُمْ نذِيرٌ (8) قالوا بلى قدْ جاءنا نذِيرٌ فكذّبْنا وقُلْنا ما نزّل اللّهُ مِنْ شيْءٍ إِنْ أنْتُمْ إِلّا فِي ضلالٍ كبِيرٍ (9) وقالوا لوْ كُنّا نسْمعُ أوْ نعْقِلُ ما كُنّا فِي أصْحابِ السّعِيرِ (10) فاعْترفُوا بِذنْبِهِمْ فسُحْقا لِأصْحابِ السّعِيرِ (11)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر سبحانه وتعالى عن بديع هذا الخلق، ونبه على بعض دقائقه وأمر بالإبصار وتكريره، وكان السامع أول ما يصوب نظره إلى السماء لشرفها وغريب صنعها وبديع وضعها ومنيع رفعها، فكان بحيث يتوقع الإخبار عن هذه الزينة التي رصعت بها، قال في جواب من توقعه مؤكدا بالقسم إعلاما بأنه ينبغي أن يبعد العاقل عن إنكار شيء مما ينسب إلى صاحب هذا الخلق من الكمال، عاطفا على ما تقديره: لقد كفى هذا القدر في الدلالة على عظمة مبدع هذا الصنع وتمام قدرته: {ولقد} واستجلب الشكر بجلب المسار فقال ناظرا إلى مقام العظمة صرفا للعقول عما اقتضاه (الرحمن) من عموم الرحمة تذكيرا بما في الآية الماضية، وتنبيها على ما في الزينة بالنجوم من مزجها بالرجوم الذي هو عذاب (الجن المتمردين الطاغين): {زينا} دلالة أخرى تدل على العظمة بعد تلك الدلالة الأولى {السماء الدنيا} أي أدنى السماوات إلى الأرض وهي التي تشهد وأنتم دائما تشاهدونها وهي سقف الدار التي اجتمعتم فيها في هذه الحياة الدنيا {بمصابيح} أي نجوم متقدة عظيمة جدا، كثرتها تفوت الحصر، ظاهرة سائرة مضيئة زاهرة.
وهي الكواكب التي تنور الأرض بالليل إنارة السرج التي تزينون بها سقوف دوركم، فتفيد شعبة من ضوء الصباح، والتزيين بها لا يمنع أن تكون مركوزة فيها فوقها من السماوات وهي تتراءى لنا بحسب الشفوف بما للاجرام السماوية من الصفاء، ولتلك المصابيح من شدة الإضاءة.
ولما أخبر- جلت قدرته- بعظيم قدرته فيها منبها على ما فيها من جلب المسار بتلك الأنوار والهداية في الدين والدنيا التي لولا هي لما انتفع أحد في ليل انتفاعا تاما، أخبر بما فيها مع الزينة من دفع المضار بعبارة عامة وإن كان المراد البعض الأغلب فإن ما للرجوم منها غير ما للاهتداء والرسوم فقال: {وجعلناها} أي النجوم من حيث هي بعظمتنا مع كونها زينة وأعلاما للهداية {رجوما} جمع رجم وهو مصدر واسم لما يرجم به {للشياطين} الذين يستحقون الطرد والبعد والحرق من الجن لما لهم من الاحتراق، وذلك بيانا لعظمتنا وحراسة للسماء الدنيا التي هي محل تنزل أمرنا بالقضاء والقدر، وإنزال هذا الذكر الحكيم لئلا يفسدوا باستراق السمع منها على الناس دينهم الحق، ويلبسوا عليهم أمرهم بخلط الحق الذي ختمنا به الأديان بالباطل، فيخرجوهم- لأنهم أعداؤهم- من النور إلى الظلمات كما كانوا في الجاهلية مع ما فيها بما خلق سبحانه في أمزجتها من ترطيب وتجفيف وحر وبرد واعتدال ينشأ عنه الفصول الأربعة وقهرها به من شروق وغروب وحركة وسكون يعرف بها ما إليه المآل، مما أخبرت به الرسل من الزوال، مع ما يدل من الليل والنهار والعشي والإبكار وأشياء يكل عنها الوصف في ذواتها وعن إحصاء منافعها حتى لو عدم شيء مما في السماوات مما دبره الحكيم لصلاح هذا العالم يهلك كل حيوان ونبات على وجه الأرض، والشهاب المرجوم به منفصل من نار الكواكب وهو قار في فلكه على حالة كقبس النار يؤخذ منها وهي باقية على حالها لا نقص، وذلك مسوغ لتسميتها بالرجوم، فمن لحقه الشهاب منهم قتله أو ضعضع أمره وخبله، ويحتمل مع ذلك أن يكون المراد: ظنونا لشياطين الإنس وهم المنجمون يتكلمون بها رجما بالغيب في أشياء هي من عظيم الابتلاء ليتبين الموقن من المزلزل والعالم من الجاهل؛ وفي البخاري: قال قتادة: خلقت النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف بما لا علم له به. ولما كان التقدير: ورجمناهم بها بالفعل عند استراقهم للسمع إبعادا لهم عن مسكن المكرمين ومحل النزاهة والأنس ومهبط القضاء والتقدير، ونكالا لغيرهم من أمثالهم عذابا لهم في الدنيا، عطف عليه قوله ترهيبا من جلاله بعد ما رغب في عظيم جماله: {وأعتدنا} أي هيأنا في الآخرة مع هذا الذي في الدنيا بما لنا من العظمة {لهم} أي الشياطين الذين يسترقون السمع {عذاب السعير} أي النار التي هي في غاية الاتقاد، ففي الآية بشارة أهل السمع والبصر والعقل وفيها من التنبيه ما لا يخفى.
ولما أخبر سبحانه عن تهيئته العذاب لهم بالخصوص، أخبر أيضا عن تهيئته لكل عامل بأعمالهم على وجه اندرجوا هم فيه فقال حاثا على التكفر في عظيم انتقامه الخارج عن العادة في عدم الانطفاء، لكونه ليس بسيف ولا عصا.
ولا بسوط ونحوه بل النار الخارجة عن العادة في عدم الانطفاء، ولا للمعذب من الخلاص منها مسلك ولا رجاء بل كلما طال الزمان تلقته بالشدة والامتداد، بئس الجامعة للمذام في كل انتقام مع الإهانة والاحتقار {وللذين كفروا} أي أوقعوا التغطية لما من حقه أن يظهر ويشهر من الإذعان للإله، فقال صارفا القول عن مقام العظمة إلى صفة الإحسان الخاصة بالتربية تنبيها على ما في إنكاره من عظيم الكفران: {بربهم} أي الذي تفرد بإيجادهم والإحسان إليهم فأنكروا إيجاده لهم بعد الموت وذلك كفرا منهم بما شاهدوا من اختراعه لهم من العدم {عذاب جهنم} أي الدركة النارية التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والغضب.
ولما كان التقدير: هي مصيرهم، قال دالا على عدم خلاصهم منها أصلا أزلا وأبدا: {وبئس المصير} أي هي.
ولما عبر عن ذمها بمجمع المذام، أتبعه الوصف لبعض تجهمها على وجه التعليل، فقال دالا بالإلقاء على خساستهم وحقارتهم معبرا بأداة التحقيق دالالة على أنه أمر لابد منه، وبالبناء للمفعول على أن إلقاءهم في غاية السهولة على كل من يؤمر به: {إذا ألقوا} أي طرح الذين كفروا والأخساء من أي طارح أمرناه بطرحهم {فيها} حين تعتلهم الملائكة فتطرحهم كما تطرح الحطب في النار {سمعوا لها} أي جهنم نفسها {شهيقا} أي صوتا هائلا أشد نكارة من أول صوت الحمار لشدة توقدها وغليانها، أو لأهلها- على حذف مضاف {وهي تفور} أي تغلي بهم كغلي المرجل بما فيه من شدة التلهب والتسعر، فهم لا يزالون فيها صاعدين هابطين كالحب إذا كان الماء- يغلي به، لا قرار لهم أصلا.
ولما وصفها بالفوران، بين سببه تمثيلا لشدة اشتعالها عليهم فقال: {تكاد تميز} أي تقرب من أن ينفصل بعضها من بعض كما يقال: يكاد فلان ينشق من غيظه وفلان غضب فطارت شقة منه في الأرض وشقة في السماء- كناية عن شدة الغضب {من الغيظ} أي عليهم، كأنه حذف إحدى التاءين إشارة إلى أنه يحصل منها افتراق واتصال على وجه من السرعة لا يكاد يدرك حق الإدراك، وذلك كله لغضب سيدها، وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمام لكل زمام سبعون ألف ملك يقودونها به، وهي شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعا وتحطم أهل المحشر فلا يردها عنهم إلا النبي-صلى الله عليه وسلم- يقابلها بنوره فترجع مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر به أن يقتلع الأرض وما عليها من الجبال ويصعد بها في الجو فعل من غير كلفة، وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفخة كما رواه الجماعة إلا الترمذي وهذا لفظ أبي داود عن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما- قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فذكر صلاته إلى أن قال: ثم نفخ في آخر سجوده. فقال: أف أف ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون» وفي رواية النسائي أنه قال: قال-صلى الله عليه وسلم-: «لقد أدنيت مني النار حتى جعلت ألفتها خشية أن تغشاكم».
ولما ذكر سبحانه حالها، أتبعه حالهم في تعذيب القلب باعتقادهم أنهم ظلمة على وجه، بين السبب في عذابهم زجرا عنه فقال: {كلما} ولما كان المنكئ مجرد الإلقاء بني للمفعول دلالة على ذلك وعلى حقارتهم بسهولة إلقائهم قوله: {ألقي فيها} أي جهنم بدفع الزبانية بهم الذين هم أغيظ عليهم من النار {فوج} أي جماعة هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق {سألهم} أي ذلك الفوج {خزنتها} أي النار سؤال توبيخ وتقريع وإرجاف.
ولما كان كأنه قيل: ما كان سؤالهم؟ قال: قالوا موبخين لهم مبكتين محتجين عليهم في استحقاقهم العذاب زيادة في عذابهم بتعذيب أرواحهم بعد تعذيب أشباحهم: {ألم يأتكم} أي في الدنيا {نذير} أي يخوفكم هذا العقار ويذكركم بما حل بكم وبما حل ممن قبلكم من المثلاث، لتكذيبهم بالآيات، ويقرأ عليكم الكتب المنزلات {قالوا بلى} ولما طابق هذا الجواب فتوقع السامع إيضاحه.
افصحوا بما أفهمه وشرحوه تأسفا على أنفسهم مما حل بهم وتحسرا فقالوا: {قد جاءنا} وأظهروا موضع الإضمار تأكيدا وتنصيصا فقالوا: {نذير} أي مخوف بليغ التحذير {فكذبنا} أي فتسبب عن مجيئه أننا أوقعنا التكذيب بكل ما قاله النذير {وقلنا} أي زيادة في التكذيب والنكاية له والعناد الذي حل شؤمه بنا: {ما نزل الله} أي الذي له الكمال كله عليكم ولا على غيركم، ولعل التعبير بالتفعيل إشارة إلى إنكارهم الفعل بالاختيار الملازم للتدريج- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وأغرقنا في النفي فقلنا: {من شيء} لا وحيا ولا غيره، وما كفانا هذا الفجور حتى قلنا مؤكدين: {إن} أي ما.
ولما كان تكذيبهم برسول واحد تكذيبا لجميع الرسل قالوا عنادا: {أنتم} أي أيها النذر المذكورون في {نذير} المراد به الجنس، وفي خطاب الجمع إشارة إيضا إلى أن جواب الكل للكل كان متحدا مع افتراقهم في الزمان حتى كأنهم كانوا على ميعاد {إلا في ضلال} أي بعد عن الطريق وخطأ وعمى محيط بكم {كبير} فبالغنا في التكذيب والسفه بالاستجهال والاستخفاف.
ولما حكى سبحانه ما قالوه للخزنة تحسرا على أنفسهم حكى ما قالوه بعد ذلك فيما بينهم زيادة في التحزن ومقتا لأنفسهم بأنفسهم فقال تعالى: {وقالوا} أي الكفرة في توبيخ أنفسهم: {لو كنا} أي بما هو لنا كالغريزة.
ولما كان السمع أعظم مدارك العقل الذي هو مدار التكليف قالوا: {نسمع} أي سماعا ينفع بالقبول للحق والرد للباطل {أو نعقل} أي بما أدته إلينا حاسة السمع وغيرها عقلا ينجي وإن لم يكن سمع، وإنما قصروا الفعلين إشارة إلى أن ما كان لهم من السمع والعقل عدم لكونه لم يدفع عنهم هذا البلاء بالقبول من الرسل لما ذكروهم به من نصائح ربهم وشهادة الشواهد من الآيات البينات {ما كنا} أي كونا دائما {في أصحاب السعير} أي في عداد من أعدت له النار التي هي في غاية الاتقاد والحر والتلهب والتوقد حتى كأن بها جنونا، وحكم بخلودهم في صحبتها، وأعظم ما في هذا من العذاب بكونهم ألجئوا إلى أن يباشروا توبيخ أنفسهم ومقتها بأنفسهم أنه لا يقبل منهم خروجا عن العادة في الدنيا من أن الإنسان إذا أظهر الخضوع باعترافه ولومه نفسه وإنصافه رحم وقبل، وفي الآية أعظم فضيلة للعقل، روى ابن المحبر في كتاب العقل والحارث عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته، أما سمعتم قول الفجار لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير».
ولما كان هذا الإقرار زائدا في ضررهم، وإنما كان يكون نافعا لهم لو قالوه في دار العمل وندموا عليه وأقلعوا عنه، سبب عنه قوله ضاما- إلى ما تقدم من تعذيب أرواحهم بمقت الملائكة لهم ثم مقتهم لأنفسهم- مقت الله لهم: {فاعترفوا} أي بالغوا جامعين إلى مقت الله وملائكته لهم مقتهم لأنفسهم في الاعتراف وهو الإقرار عن معرفة.
ولما كان الذي أوردهم المهالك هو الكفر الذي تفرعت عنه جميع المعاصي، أفرد فقال تعالى: {بذنبهم} أي في دار الجزاء كما كانوا يبالغون في التكذيب في دار العمل فلم يكن ينفعهم لفوات محله، أو أنه لم يجمع الذنب إشارة إلى أنهم كانوا كلهم في المبالغة في التكذيب على حد واحد، كما قال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون} [الذاريات: 53] أو أن الإفراد أشد في التحذير من كثير الذنوب وقليلها حقيرها وجليلها.
ولما كانوا قد أبلغوا في كلتي الدارين في إبعاد أنفسهم عن مواطن الرحمة وتسفيلها إلى حال النقمة أنتج ذلك وسبب قوله: {فسحقا} أي بعدا في جهة السفل وهو دعاء عليهم مستجاب {لأصحاب} وأظهر تنبيها على عظيم توقدها وتغيظها وتهددها فقال: {السعير} أي الذي قضت عليهم أعمالهم بملازمتها. اهـ.